عاد الراعي مع قطيعه مساء ً من المرعى مسرعا ، فالجوّ بارد والسماء ملبدة بالغيوم ، وقد تسقط الأمطار في كلّ لحظة.
فتح الراعي باب الحظيرة وبدأ يعد القطيع واحدا ً واحدا ً ، ولما انتهى ظهر التعجب على وجهه فقد نقص القطيع واحدا ً.
لَعَلَّه قد أخطأ قال في نفسه؟! دخل الراعي الى الحظيرة وبدأ يعدّ القطيع من جديد، وإذا به يسمع بكاء، فالتفت فإذا بالعنزة السوداء تنوح وتبكي وهي تفتش عن صغيرها وتسأل :
هل رأيتم صغيري عنّوز ؟
هل رأيتم صغيري عنّوز ؟
والكل يومئ بحزن ويقول : لا...لا... لم نره.
فتفيض الدموع الساخنة من عينيها. ويقترب الراعي الشاب من عنزته الحزينة، ويمسح شعرها الأسود بيديه ويقبّلها بين عينيها ويقول : " اطمئني، اطمئني ... سأخرج رغم الليل والمطر والبرد وأبحث عنه. صلّي حتى يساعدني الله في مهمتي هذه.
ويخرج الراعي من الحظيرة بعد أن يلبس عباءته الرمادية ويتلفّع بشاله الصوفيَ الأسود.
وتمضي ساعة والساعتان، والعنزة الأم تنتظر وتبكي.
وتنفتح أبواب السماء فتهطل الأمطار الغزيرة مصحوبة بالبرق الشديد اللامع .
الكل ينام إلاّ المطر والعنزة السوداء، فخيالها يأخذها بعيدا ً، يأخذها الى الذئب الشرس الساكن في الضواحي القريبة، فتذوب خوفا ً ورعبا ً.
وفرغ صبر العنزة السوداء ، فأخذت تصرخ وتبكي وتنطح الباب بقرنيها وتقول : استفيقوا... استفيقوا ...لا مكان لنا في هذه الحظيرة ، فالراعي لا يهتم بنا ، إنه ينام الآن مطمئنا ً في بيته!!
واستيقظ القطيع واحدا ً واحدا ً ، وملأ الصياح والثغاء زوايا الحظيرة.
لقد خاننا الراعي صاح التيس الشيخ، لقد خاننا ففقدنا الأمان ، هيّا بنا نكسر باب الحظيرة ، ونمضي بعيدا ً عن هذا السجن... هيّا . فصرخ الجميع هيّا ..هيّا.
وفجأة لمع البرق لمعانا ً شديدا ً ، فأبصر القطيع على باب الحظيرة الشاب الراعي، يحمل على منكبيه الجدي عنّوز ملفوفا بالعباءة الرمادية في حين راح المطر يقطر من شعر الراعي وثيابه.