المتقاعدون دماغياً!

إنهم معظم ـ ولولا فوبيا التعميم لقلت كل ـ مديري الإدارات والأقسام والمدارس والكليات في مختلف الجهات الحكومية في وطني الخليجة! أولئك البيروقراطيون الذين كل عملهم : تشكيل لجان لأي شيء، ثم تشكيل لجان لمتابعة عمل تلك اللجان ورفع التوصيات ، ثم تشكيل لجان لتقويم توصيات تلك اللجان ورفع مرئياتها ثم تشكيل لجان لتحديد القابل للتنفيذ من تلك المرئيات ، ثم تشكيل لجان لتحديد آليات تنفيذ ما حددته اللجان السابقة ، ثم تشكيل لجان لدراسة الأنسب من تلك الآليات ثم تشكيل..(طيب قل : عندي قدر وعند القردة قدر، فار قدري قبل قدر القردة )!
وبما أن هذه الأيام ذروة عملهم وحصاد جهودهم المضنية خلال سنة كبيسة، حافلة بالتلجين والتشكيل ، فمن أبسط حقوقهم على أنفسهم إقامة حفل ختامي بهيج يشرفه رأس الهرم ، يكرم فيه المبدعون التشكيليون ويكون مناسبةً لالتقاط الأنفاس والصور! وكعادتهم ، لا يجتمعون لإعداد فقرات الحفل إلا وقت (الزنقة) ! ففجأةً ـ بعد ظهر أربعاء ما ـ يعلن السيد المدير استنفاراً فوق العادة ، فيدعو جميع منسوبي إدارته حتى أعضاء اللجان التي سبق تشكيلها لتشغيل محافظ الزملاء في سوق الأسهم ! هيا ياشباب: السبت نريد حفلاً لا قبله ولا بعده! ويعلن تشكيل لجنة لإعداد فقرات الحفل تبدأ عملها فوراً ، والفقرة الوحيدة المتفق عليها هي الافتتاح بآياتٍ عطرة لن تكون ـ طبعاً ـ من سورة (المنافقون) ولا (الهُمَزَة) ! أما باقي الفقرات فلكل فقرة لجنة رئيسية تتفرع إلى عدة لجان ! فلإعداد كلمة المدير ـ مثلاً ـ تشكل لجنة من (المدرسة البَصْريَّة) لتحديد هل يقول: ضيوفَنا الكرام ـ بفتح الفاء ـ أم ضيوفُنا ـ بضمِّهاـ ؟ ولجنةٌ برئاسة (ابن المعتز) لترفع توصياتها باستخدام (الأعزاء) بدلاً من (الكرام) ! ولجنة ثالثة من حكام شاعر المليون لتطعيم الكلمة بدررٍ نادرة من الشعر الشعبي الفصيح! أما اللجنة الرئيسية الأهم فهي لجنة (الضيافة وإعداد البوفيه) لأن فيها فلوووساً ! وتتفرع إلى عددٍ هائلٍ من اللجان : لجنة السلطات والمقبلات التي تتفرع بدورها إلى عدة لجان (السمبوسة والتبولة وبابا غنوج ..إلخ) ، ولجنة الرز وتتفرع إلى (البرياني والبخاري والكابلي ..إلخ) ، ولجنة المشروبات (الباردة والساخنة والنص نص ..إلخ)!
وكالعادة فإن الحفل سينجح نجاحاً منقطع النظير مما يدفع المدير إلى تشكيل لجنتين رئيستين : لجنة لشكر اللجان المشاركة ، ولجنة لتقصي الحقائق مهمتها تحديد الإدارة المقصودة بعبارة (عندي قدر وعند القردة قدر)!